فصل: فصل في صفة الأذان

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: روضة الطالبين وعمدة المفتين **


 كتاب الصلاة

فيه سبعة أبواب

 الباب الأول في المواقيت

أما وقت الظهر فيدخل بالزوال وهو زيادة في الظل بعد استواء الشمس أو حدوثه إن لم يكن عند الاستواء ظل وذلك يتصور في بعض البلاد كمكة وصنعاء اليمن في أطول أيام السنة ويخرج وقتها إذا صار ظل الشخص مثله سوى الظل الذي كان عند الزوال إن كان ظل وما بين الطرفين وقت اختيار وأما العصر فيدخل وقتها بخروج وقت الظهر بلا خلاف ويمتد إلى غروب الشمس وفي وجه ضعيف قاله الاصطخري يخرج وقتها إذا صار ظل الشيء مثليه وعلى الصحيح لها أربعة أوقات وقت فضيلة وهو الأول ووقت اختيار إلى أن يصير ظله مثليه وبعده جواز بلا كراهة إلى اصفرار الشمس ومن الاصفرار إلى الغروب وقت كراهة يكره تأخيرها إليه وأما المغرب فيدخل وقتها بغروب الشمس بلا خلاف والاعتبار بسقوط قرصها وهوظاهر في الصحاري وأما في العمران وخلل الجبال فالاعتبار بأن لا يرى شيء من شعاعها على الجدران ويقبل الظلام من المشرق وفي آخر وقتها قولان القديم أنه يمتد إلى مغيب الشفق والجديد أنه إذا مضى قدر وضوء وستر عورة وأذان وإقامة وخمس ركعات انقضى الوقت وما لا بد منه من شرائط الصلاة لا يجب تقديمه على الوقت فيجوز التأخير بعد الغروب بقدر اشتغاله بها والاعتبار في جميع ذلك بالوسط المعتدل ويحتمل أيضاً أكل لقم يكسر بها حدة الجوع وفي وجه ما يمكن تقديمه على الوقت كالطهارة والسترة يسقط من الاعتبار وفي وجه يعتبر ثلاث ركعات لا خمس وهما شاذان والصواب الأول ثم على الجديد لو شرع في المغرب في الوقت المضبوط فهل له استدامتها إلى انقضاء الوقت إن قلنا الصلاة التي يقع بعضها في الوقت وبعضها بعده أداء وأنه يجوز تأخيرها إلى أن يخرج عن الوقت بعضها فله ذلك قطعا وإن لم نجوز ذلك في سائر الصلوات ففي المغرب وجهان أصحهما يجوز مدها إلى مغيب الشفق والثاني منعه كغيرها ثم الأظهر من القولين الجديد واختار طائفة من الأصحاب القديم ورجحوه وعندهم المسألة مما يفتى فيه على القديم‏.‏

وممن اختاره من أصحابنا ابن خزيمة والخطابي والبيهقي والغزالي في الإحياء والبغوي في التهذيب وغيرهم والله أعلم‏.‏

وأما العشاء فيدخل وقتها بمغيب الشفق وهو الحمرة وقال المزني البياض وقال إمام الحرمين يدخل وقتها بزوال الحمرة والصفرة قال والشمس إذا غربت تعقبها حمرة ثم ترق حتى تنقلب صفرة ثم يبقى البياض قال وبين غروب الشمس إلى زوال الصفرة كما بين الصبح الصادق وطلوع قرن الشمس وبين زوال الصفرة إلى انمحاق البياض قريب مما بين الصبح الصادق والكاذب هذا قول إمام الحرمين والذي عليه المعظم ويدل عليه نص الشافعي رضي الله عنه أنه الحمرة ثم غروب الشفق ظاهر في معظم النواحي أما الساكنون بناحية تقصر لياليهم ولا يغيب عنهم الشفق فيصلون العشاء إذا مضى من الزمان قدر ما يغيب فيه الشفق في أقرب البلاد إليهم وأما وقت الاختيار للعشاء فيمتد إلى ثلث الليل على الأظهر وإلى نصفه على الثاني ويبقى وقت الجواز إلى طلوع الفجر الثاني على الصحيح وقال الاصطخري يخرج الوقت بذهاب وقت الاختيار وأما وقت الصبح فيدخل بطلوع الفجر الصادق ويتمادى وقت الاختيار إلى أن يسفر والجواز إلى طلوع الشمس على الصحيح وعند الاصطخري يخرج وقت الجواز بالإسفار فعلى الصحيح للصبح أربعة أوقات فضيلة أوله ثم اختيار إلى الإسفار ثم جواز بلا كراهة إلى طلوع الحمرة ثم قلت مذهبنا ومذهب جماهير العلماء أن صلاة الصبح من صلوات النهار ويكره أن يقال للمغرب عشاء وأن يقال للعشاء عتمة والاختيار أن يقال للصبح الفجر أو الصبح وهما أولى من الغداة ولا تقول الغداة مكروه ويكره النوم قبل العشاء والحديث بعدها لغير عذر إلا في خير واختلف العلماء في الصلاة الوسطى فنص الشافعي رضي الله عنه والأصحاب أنها الصبح وقال صاحب الحاوي نص الشافعي أنها الصبح وصحت الأحاديث أنها العصر ومذهبه إتباع الحديث فصار مذهبه أنها العصر قال ولا يكون في المسألة قولان كما وهم بعض أصحابنا والله أعلم‏.‏

 فصل تجب الصلاة بأول الوقت وجوبا موسعا

بمعنى أنه لا يأثم بتأخيرها إلى آخره فلو أخرها من غير عذر فمات في أثناء الوقت لم يأثم بتأخيرها على الأصح بخلاف الحج ولو وقع بعض الصلاة في الوقت وبعضها خارج الوقت نظر إن كان الواقع في الوقت ركعة فصاعدا فالأصح أن جميع الصلاة أداء والثاني جميعها قضاء والثالث ما في الوقت أداء وما بعده قضاء وإن كان الواقع في الوقت أقل من ركعة فالمذهب الجزم بأن الجميع قضاء وقيل هو كالركعة وحيث قلنا الجميع قضاء أو الخارج لم يجز للمسافر قصر تلك الصلاة على قولنا لا يجوز قصر المقضية ولو أراد تأخير الصلاة إلى حد يخرج بعضها عن الوقت إن قلنا كلها قضاء أو البعض لم يجز قطعا وإن قلنا الجميع أداء لم يجز أيضاً على المذهب وفيه ترديد جواب للشيخ أبي محمد ولو شرع فيها وقد بقي من الوقت ما يسع جميعها فمدها بتطويل القراءة حتى خرج الوقت لم يأثم قطعا ولا يكره على الأصح قلت وفي تعليق القاضي حسين وجه أنه يأثم والله أعلم‏.‏

 فصل تعجيل الصلاة في أول الوقت أفضل

وفيما يحصل به فضيلة أوله أوجه أصحها يحصل بأن يشتغل أول دخول الوقت بأسباب الصلاة كالطهارة والأذان وغيرهما ثم يصلي ولا يشترط على هذا تقديم ستر العورة على الأصح وشرطه أبو محمد ولا يضر الشغل الخفيف كأكل لقم وكلام قصير ولا يكلف العجلة على خلاف العادة والوجه الثاني يبقى وقت الفضيلة إلى نصف الوقت كذا أطلقه جماعة وقال آخرون إلى نصف وقت الاختيار والثالث لا يحصل إلا إذا قدم قبل الوقت ما يمكنه تقديمه من الأسباب لتنطبق الصلاة على أول الوقت وعلى هذا قيل لا ينال المتيمم فضيلة الأولية قلت هذا الوجه الثالث غلط صريح وهذا المذكور من فضيلة التعجيل هو في الصبح والعصر والمغرب على الإطلاق وأما العشاء فتعجيلها أيضاً أفضل على الأظهر وعلى الثاني تأخيرها أفضل مالم يجاوز وقت الاختيار وأما الظهر فيستحب فيها التعجيل في غير شدة الحر بلا خلاف وفي شدة الحر يستحب الإبراد على الصحيح المعروف وفيه وجه شاذ أن الإبراد رخصة وأنه لو تحمل المشقة وصلى في أول الوقت كان أفضل والصواب أن الإبراد سنة وهو أن يؤخر إقامة الجماعة عن أول الوقت في المسجد الذي يأتيه الناس من بعد بقدر ما يقطع للحيطان ظل يمشي فيه طالب الجماعة ولا يؤخر عن النصف الأول من الوقت فلو قربت منازلهم من المسجد أو حضر جماعة في موضع لا يأتيهم غيرهم لا يبردون على الأظهر وكذا لو أمكنه المشي إلى المسجد في ظل أو صلى في بيته منفردا فلا إبراد على الأصح ويختص باستحباب الإبراد بالبلاد الحارة على الأصح المنصوص ولا تلحق الجمعة بالظهر في الإبراد على الأصح‏.‏

فصل إذا اشتبه عليه وقت صلاة لغيم أو حبس في مظلم أو غيرهما اجتهد فيه واستدل بالدرس والأعمال والأوراد وشبهها ومن الأمارات صياح الديك المجرب إصابة صياحه الوقت وكذا أذان المؤذنين في يوم الغيم إذا كثروا وغلب على الظن لكثرتهم أنهم لا يخطؤون والأعمى يجتهد في الوقت لبصير وإنما يجتهدان إذا لم يخبرهما ثقة بدخول الوقت عن مشاهدة فلو قال رأيت الفجر طالعا أو الشفق غاربا لم يجز الاجتهاد ووجب قبول قوله فإن أخبر عن اجتهاد لم يجز للبصير القادر على الاجتهاد تقليده ويجوز للأعمى على الأصح والمؤذن الثقة العالم بالمواقيت في يوم الصحو كالمخبر عن مشاهدة وفي الغيم كالمجتهد وحكى في التهذيب وجهين في تقليد المؤذن من غير فرق بين البصير والأعمى وقال الأصح الجواز وذهب إليه ابن سريج والتفصيل المتقدم أقرب واختاره الروياني وغيره‏.‏

قلت الأصح ما صححه صاحب التهذيب وقد نقله عن نص الشافعي وبه قال الشيخ أبو حامد وصححه البندنيجي وصاحب العدة وغيرهم والله أعلم‏.‏

وحيث لزم الاجتهاد فصلى بلا اجتهاد وجبت الإعادة وإن صادف الوقت وإذا لم تكن دلالة أو كانت فلم يغلب على ظنه شيء صبر إلى أن يغلب على قلبه دخول الوقت والاحتياط أن يؤخر إلى أن يغلب على ظنه أنه لو أخر خرج الوقت ولو قدر على الصبر إلى استيقان دخول الوقت جاز الاجتهاد على الصحيح كالأواني‏.‏

قلت لو علم المنجم دخول الوقت بالحساب حكى صاحب البيان أن المذهب أنه يعمل به بنفسه ولا يعمل به غيره والله أعلم‏.‏

فرع حيث جاز الاجتهاد فصلى به إن لم يتبين الحال فلا شيء وإن بان وقوع صلاته في الوقت أو بعده فلا قضاء عليه لكن الواقعة بعده قضاء على الأصح فلو كان مسافرا وقصرها وجب إعادتها تامة إذا قلنا لا يجوز قصر القضاء وإن بان وقوعها قبل الوقت وأدركه وجبت الاعادة وإلا فقولان المشهور وجوبها ومثل هذا الخلاف والتفصيل يجري فيمن اشتبه عليه شهر رمضان‏.‏

قلت قال أصحابنا لو أخبره ثقة أن صلاته وقعت قبل الوقت إن أخبره عن علم ومشاهدة وجبت الإعادة وإن أخبره عن اجتهاد فلا والله أعلم‏.‏

 فصل في وقت أصحاب الأسباب

المانعة من وجوب الصلاة وهي الصبا والكفر والجنون والإغماء والحيض والنفاس ولها ثلاثة أحوال الأول أن توجد في أول الوقت ويخلو عنها آخره بأن تطهر عن حيض أو نفاس في آخر الوقت فينظر إن بقي من الوقت قدر ركعة لزمها فرض الوقت والمعتبر في الركعة أخف ما يقدر عليه أحد وشرط الوجوب أن تمتد السلامة من المانع قدر إمكان الطهارة وتلك الصلاة فإن عاد مانع قبل ذلك لم يجب مثاله بلغ الصبي في آخر وقت العصر ثم جن أو أفاق المجنون ثم عاد جنونه أو طهرت ثم جنت أو أفاقت مجنونة ثم حاضت فإن مضى في حال السلامة ما يسع طهارة وأربع ركعات وجبت العصر وإلا فلا هذا إذا كان الباقي من الوقت قدر ركعة فإن كان قدر تكبيرة أو فوقها دون ركعة ففي وجوب الفرض قولان الأظهر الوجوب بالشرط المتقدم في الركعة ويستوي في الوجوب بإدراك الركعة أو ما دونها جميع الصلوات فإن كانت المدركة صبحا أو ظهرا أو مغربا قصر الوجوب عليها وإن كانت عصرا أو عشاء وجب مع العصر الظهر ومع العشاء المغرب وبماذا يجب الظهر قولان أظهرهما يجب بما يجب به العصر وهو ركعة قبل الغروب على قول وتكبيرة على قول والثاني لا يجب إلا بإدراك أربع ركعات زائدة على ما يجب به العصر وتكون الأربع للظهر والركعة أو التكبيرة للعصر على الصحيح وقيل الأربع للعصر والركعة أو التكبيرة للظهر وتظهر فائدة الوجهين في المغرب مع العشاء فإن المغرب معها كالظهر مع العصر فإن قلنا بالأظهر وجبت المغرب بما تجب العشاء‏.‏

وإن قلنا بالثاني وقلنا الركعات الأربع الزائدة للظهر اعتبرنا هنا ثلاث ركعات للمغرب مع ما تلزم به العشاء وإن قلنا الأربع للعصر اعتبرنا أربعا للعشاء وهل يعتبر مع القدر المذكور للزوم الصلاة الواحدة أو صلاتي الظهر والعصر والمغرب والعشاء إدراك زمن الطهارة قولان أظهرهما لا وإذا جمعت الأقوال حصل فيما يلزم به كل صلاة من إدراك آخر وقتها أربعة أقوال أظهرها قدر تكبيرة والثاني تكبيرة وطهارة والثالث ركعة والرابع ركعة وطهارة وفيما يلزم به الظهر مع العصر ثمانية أقوال هذه الأربعة والخامس قدر أربع ركعات وتكبيرة والسادس هذا وزمن طهارة والسابع قدر خمس ركعات والثامن هذا وزمن طهارة وفيما يلزم المغرب مع العشاء اثنا عشر قولا هذه الثمانية والتاسع ثلاث ركعات وتكبيرة والعاشر هذا وزمن طهارة والحادي عشر أربع ركعات والثاني عشر هذا وزمن طهارة فرع جميع ما ذكرناه هو فيما إذا كان زوال العذر قبل أداء وهذا يكون حال من سوى الصبي من أصحاب الأسباب فإنها كما تمنع الوجوب تمنع الصحة وأما الصبي إذا صلى وظيفة الوقت ثم بلغ قبل خروج الوقت فيستحب له أن يعيدها ولا تجب الإعادة على الصحيح والثاني تجب قاله ابن سريج سواء قل الباقي من الوقت أم كثر والثالث قاله الإصطخري إن بلغ وقد بقي من الوقت ما يسع تلك الصلاة وجبت الإعادة وإلا فلا أما إذا بلغ بالسن في أثنائها فالصحيح وظاهر النص وما عليه الجمهور أنه يجب إتمامها ويستحب الإعادة والثاني يستحب الإتمام وتجب الإعادة والثالث قاله الإصطخري إن بقي ما يسع الصلاة وجبت الإعادة وإلا فلا هذا كله في غير الجمعة أما إذا صلى الظهر يوم الجمعة ثم بلغ وأمكنته الجمعة فإن قلنا في سائر الصلوات تجب الاعادة وجبت الجمعة وإلا فالصحيح أنها لا تجب كالمسافر والعبد إذا صليا الظهر ثم زال عذرهما وأمكنتهما الجمعة لا تلزمهما قطعا الحال الثاني أن يخلو أول الوقت من الأعذار المذكورة ثم يطرأ ما يمكن أن يطرأ وهو الحيض والنفاس والجنون والإغماء ولا يتصور طريان الكفر المسقط للإعادة فإذا حاضت في أثناء الوقت قبل أن تصلي نظر في القدر الماضي من الوقت إن كان قدرا يسع تلك الصلاة وجب القضاء إذا طهرت على المذهب وخرج ابن سريج قولا أنه لا يجب إلا إذا أدركت جميع الوقت ثم على المذهب المعتبر أخف ما يمكن من الصلاة حتى لو طولت صلاتها فحاضت فيها وقد مضى من الوقت ما يسعها لو خفقها وجب القضاء ولو كان الرجل مسافرا فطرأ عليه جنون أو إغماء بعد ما مضى من وقت الصلاة المقصورة ما يسع ركعتين لزمه قضاؤها لأنه لو قصر أمكنه أداؤها ولا يعتبر مع إمكان فعلها إمكان الطهارة لأنه يمكن تقديمها قبل الوقت إلا إذا لم يجز تقديم طهارة صاحب الواقعة كالمتيمم قلت ذكر في التتمة في اشتراط زمن الطهارة لمن يمكنه تقديمها وجهين وهما كالخلاف في آخر الوقت ولا فرق فإنه وإن أمكن التقديم فلا يجب والله أعلم‏.‏

أما إذا كان الماضي من الوقت لا يسع تلك الصلاة فلا يجب على المذهب وبه قطع الجماهير وقال أبو يحيى البلخي وغيره من أصحابنا حكم أول الوقت حكم آخره فيجب القضاء بإدراك ركعة أو تكبيرة على الأظهر وغلطه الأصحاب أما العصر فلا يجب بإدراك الظهر ولا العشاء بإدراك المغرب ولو أدرك جميع وقتها على الصحيح الذي عليه الجماهير وقال البلخي إذا أدرك من وقت الظهر ثماني ركعات ثم طرأ العذر لزمه الظهر والعصر جميعا كما يلزم الأولى بإدراك الثانية وهو غلط لأن وقت الظهر لا يصلح للعصر إلا إذا صليت الظهر جمعا واعلم أن الحكم بوجوب الصلاة إذا أدرك من وقتها ما يسعها لا يختص بأوله بل لو كان المدرك من وسطه لزمت الصلاة مثل أن أفاق المجنون في أثناء الوقت وعاد جنونه في الوقت أو بلغ صبي ثم جن أو أفاقت مجنونة ثم حاضت وقد تلزم الظهر بإدراك أول وقت العصر كما تلزم بآخره بأن أفاق مغمى عليه بعد أن مضى من وقت العصر ما يسع الظهر والعصر فإن كان مقيما فالمعتبر قدر ثمان ركعات وإن كان مسافرا يقصر كفاه قدر أربع وتقاس المغرب مع العشاء في جميع ما ذكرناه بالظهر مع العصر الحال الثالث أن يعم السبب جميع وقت الرفاهية ووقت الضرورة وهو الوقت الذي يجوز فيه الجمع أما الحيض والنفاس فإنه يمنع وجوب الصلاة وجوازها ولا قضاء وأما الكافر الأصلي فهو مخاطب بالصلاة وغيرها من فروع الشرع على الصحيح لكن إذا أسلم لا يجب عليه قضاء صلاة أيام الكفر بلا خلاف وأما المرتد فيجب عليه قضاء صلوات أيام الردة وأما الصبي فلا تجب عليه الصلاة لا أداء ولا قضاء ولا يؤمر أحد ممن لاتجب عليه الصلاة بفعلها إلا الصبي والصبية فإنه يؤمر بها إذا بلغ سبع سنين ويضرب على تركها إذا بلغ عشرا قال الأئمة فيجب على الآباء والأمهات تعليم الأولاد الطهارة والصلاة والشرائع بعد السبع والضرب على تركها بعد العشر ويؤمر بالصوم إن أطاقه كما يؤمر بالصلاة وأجرة تعليم الفرائض في مال الصبي فإن لم يكن له مال فعلى الأب فإن لم يكن فعلى الأم وهل يجوز أن يعطي الأجرة من مال الصبي على تعليم ما سوى الفاتحة والفرائض من القرآن والأدب وجهان قلت الأصح في مال الصبي وهذا كله إذا كان الصبي والصبية مميزين والله أعلم‏.‏

وأما من زال عقله بجنون أو أغمي عليه فلا تجب عليه الصلاة ولا قضاؤها سواء قل الجنون والإغماء أو كثر إذا استغرق الوقت ولو زال عقله بسبب محرم كشرب مسكر أو دواء مزيل للعقل وجب القضاء هذا إذا تناول الدواء لغير حاجة وعلم أنه يزيل العقل وعلم أن الشراب ولو علم أن جنسه مسكر وظن أن ذلك القدر لا يسكر وجب القضاء لتقصيره ولو وثب من موضع لحاجة فزال عقله فلا قضاء وإن فعله عبثا وجب القضاء‏.‏

فرع لو ارتد ثم جن ثم أفاق وأسلم وجب قضاء أيام الجنون تغليطا عليه ولو سكر ثم جن وجب قضاء المدة التي ينتهي إليها السكر وفيما بعدها من مدة الجنون وجهان الأصح لا يجب القضاء ولو ارتدت ثم حاضت أو سكرت ثم حاضت لم تقض أيام الحيض ولو شربت دواء حتى حاضت لم يلزمها القضاء وكذلك لو شربت دواء حتى ألقت جنينا ونفست لم يجب القضاء على الصحيح لأن ترك الصلاة في حق الحائض والنفساء عزيمة والحاصل أن من لم يؤمر بالترك لا يستحيل أن يؤمر بالقضاء فإذا لم يؤمر كان تخفيفا ومن أمر بالترك فامتثل الأمر لا يتوجه أمره بالقضاء إلا الحائض فإنها مأمورة بترك الصوم وبقضائه وهو خارج عن القياس للنص‏.‏

 فصل في الأوقات المكروهة

وهي خمسة أحدها عند طلوع الشمس حتى ترتفع قدر رمح على الصحيح وعلى الشاذ تزول الكراهة بطلوع قرص الشمس بتمامه والثاني استواء الشمس والثالث عند الاصفرار حتى يتم غروبها والرابع بعد صلاة الصبح حتى تطلع الشمس والخامس بعد العصر حتى تغرب وفي هذين الوقتين إذا قدم الصبح والعصر في أول الوقت طال وقت الكراهة وإذا أخرهما قصر هذا هو المعروف لأكثر الأصحاب أن الأوقات خمسة كما ذكرنا وفي الصبح وجهان آخران أحدهما تكره الصلاة بعد طلوع الفجر سوى ركعتي سنة الصبح سواء صلى الصبح وسنتها أم لا قال صاحب الشامل هذا الوجه هو ظاهر المذهب وقطع به صاحب التتمة والثاني يكره ذلك لمن صلى السنة وإن لم يصل الفريضة والصحيح ما سبق وهو الموافق لكلام الجمهور‏.‏

فرع النهي والكراهة في هذه الأوقات إنما هو في صلاة ليس لها فأما ما لها سبب فلا كراهة والمراد بقولهم صلاة لها سبب أي سبب متقدم على هذه الأوقات أو مقارن لها والتي لا سبب لها هي التي ليس لها سبب متقدم ولا مقارن وقد يفسر قولهم لا سبب لها بأن الشارع لم يخصها بوضع وشرعية بل هي التي يأتي بها الانسان ابتداء فمن ذوات الأسباب الفائتة فإنه يجوز في هذه الأوقات قضاء الفرائض والسنن والنوافل التي اتخذها الانسان وردا له وتجوز صلاة الجنازة وسجود التلاوة وسجود الشكر وركعتا الطواف وصلاة الكسوف ولو تطهر في هذه الأوقات صلى ركعتين ولا تكره صلاة الاستسقاء فيها على الأصح وعلى الثاني تكره كصلاة الاستخارة وقد يمنع الأول الكراهة في صلاة الاستخارة ويكره ركعتا الاحرام على الأصح وأما تحية المسجد فإن اتفق دخوله لغرض كإعتكاف أو درس علم أو انتظار صلاة ونحو ذلك لم تكره وإن دخل لا لحاجة بل ليصلي التحية فقط فوجهان أقيسهما الكراهة كما لو أخر الفائتة ليقضيها في هذه الأوقات ومن الأصحاب من لم يفصل ويجعل في التحية وجهين على الإطلاق وينسب القول بالكراهة إلى أبي عبد الله الزبيري رحمه الله قلت هذه الطريقة غلط والله أعلم‏.‏

ولو فاتته راتبة أو نافلة اتخذها وردا فقضاها في هذه الأوقات فهل له المداومة على مثلها في وقت الكراهة وجهان أحدهما نعم للحديث الصحيح أن رسول الله صلى الله عليه وسلم فاته ركعتا الظهر فقضاهما بعد العصر وداوم عليهما بعد العصر وأصحهما لا وتلك الصلاة من خصائص رسول الله صلى الله عليه وسلم

 فصل الصلاة المنهي عنها

في هذه الأوقات يستثنى منها زمان ومكان أما الزمان فعند الاستواء يوم الجمعة ولا يلحق به باقي الأوقات يوم الجمعة على الأصح فإن ألحقنا جاز التنفل يوم الجمعة في الأوقات الخمسة لكل أحد وإن قلنا بالأصح فهل يجوز التنفل لكل أحد عند الاستواء وجهان أصحهما نعم والثاني لا يجوز لمن ليس في الجامع وأما من في الجامع ففيه وجهان أحدهما يجوز مطلقا والثاني يجوز بشرط أن يبكر ثم يغلبه النعاس وقيل يكفي النعاس بلا تبكير وأما المكان فمكة زادها الله شرفا لا تكره الصلاة فيها في شيء في هذه الأوقات سواء صلاة الطواف وغيرها وقيل إنما يباح ركعتا الطواف والصواب الأول والمراد بمكة جميع الحرم وقيل إنما يستثنى نفس المسجد الحرام والصواب المعروف هو الأول‏.‏

فرع متى ثبتت الكراهة فتحرم بالصلاة المكروهة لم تنعقد على الأصح كصوم العيد وتنعقد على الثاني كالصلاة في الحمام ولو نذر أن يصلي في هذه الأوقات فإن قلنا تنعقد الصلاة صح نذره وإلا فلا وإذا صح نذره فالأولى أن يصلي في وقت آخر كمن نذر أن يضحي بشاة يذبحها بسكين مغصوب يصح نذره ويذبحها بغير مغصوب ولو نذر صلاة مطلقة فله فعلها في هذه الأوقات قطعا فإن لها سببا قلت النهي عن الصلاة في هذه الأوقات حيث أثبتناه كراهة تحريم على الأصح وبه قطع الماوردي في الاقناع وصاحب الذخائر وآخرون وهو مقتضى النهي في الأحاديث الصحيحة والثاني كراهة تنزيه وبه قطع أبو علي البندنيجي والله أعلم‏.‏

وقول بعض المتأخرين أنه لا يحرم شاذ متروك علته أنه مخالف لما صرح به كثيرون واقتضاه كلام الباقين‏.‏

 الباب الثاني في الأذان

الأذان والإقامة سنتان على أصح الأوجه وفرضا كفاية على الثاني والثالث هما سنة في غير الجمعة وفرضا كفاية فيها فإذا قلنا سنة فاتفق أهل بلد على تركها لم يقاتلوا على الأصح كسائر السنن وإذا قلنا فرض كفاية قوتلوا على تركها بلا خلاف وإنما يسقط الإثم عنهم بإظهارها في البلدة أو القرية بحيث يعلم جميع أهلها أنه قد أذن فيها لو أصغوا ففي القرية الصغيرة يكفي في موضع وفي البلد الكبير لا بد منه في مواضع وإذا قلنا الأذان فرض كفاية في الجمعة فقيل الواجب هو الذي بين يدي الخطيب وقيل يسقط الوجوب بالأذان المأتي به لصلاة الجمعة وإن لم يكن بين يدي الخطيب أما ما يؤذن له فلا خلاف أنه يؤذن للجماعة الأولى من صلوات الرجال في كل مكتوبة مؤداة فإن فقد بعض هذه القيود ففيه تفصيل أما المنفرد في الصحراء أو بلد فيؤذن على المذهب والمنصوص في الجديد وقيل لا يؤذن في القديم وفي وجه إن رجا حضور جماعة أذن وإلا فلا هذا إذا لم يبلغ المنفرد أذان المؤذنين فإن بلغه فالخلاف مرتب وأولى بأن لا يؤذن فإن قلنا لا يؤذن فهل يقيم وجهان أصحهما نعم وإن قلنا يؤذن فهل يرفع صوته نظر إن صلى في مسجد أقيمت فيه جماعة وانصرفوا لم يرفع لئلا يوهم دخول وقت صلاة أخرى وإلا فوجهان الأصح يرفع والثاني إن رجا جماعة رفع وإلا فلا أما إذا أقيمت جماعة في مسجد فحضر قوم فإن لم يكن له إمام راتب لم يكره لهم إقامة الجماعة فيه وإن كان كرهت على الأصح وإذا أقاموا جماعة مكروهة أو غير مكروهة فقولان أحدهما لا يسن لهم الأذان وأظهرهما يسن ولا يرفع فيه الصوت لخوف اللبس وسواء كان المسجد مطروقا أو غير مطروق قال إمام الحرمين حيث قلنا في الجماعة الثانية في المسجد الذي أقيم فيه جماعة وأذان الراتب لا يرفع الصوت لا نعني به أنه يحرم الرفع بل نعني به أن الأولى أن لا يرفع وإذا قلنا المنفرد لا يرفع صوته فلا نعني به أن الأولى أن لا يرفع فإن الرفع أولى في حقه ولكن نعني أنه يعتد بأذانه دون الرفع أما جماعة النساء ففيها اقوال المشهور المنصوص في الأم والمختصر يستحب لهن الإقامة دون الأذان فلو أذنت على هذا ولم ترفع صوتها لم يكره وكان ذكرا لله تعالى والثاني لا أذان ولا إقامة والثالث يستحبان معا ولو صلت امرأة منفردة إن قلنا الرجل المنفرد لا يؤذن فهي أولى وإلا فعلى هذه الأقوال لا ترفع صوتها بحال فوق ما تسمع صواحبها ويحرم عليها الزيادة على ذلك أما غير الفرائض الخمس فلا أذان لها ولا إقامة‏.‏

سواء كانت منذورة أو سنة سواء سن لها الجماعة كالعيدين والكسوفين والاستسقاء أم لم يسن كالضحى لكن ينادى للعيد والكسوف والاستسقاء الصلاة جامعة وكذا ينادى للتراويح إذا صليت جماعة وفي استحباب هذا النداء في الجنازة وجهان‏.‏

قلت الأصح لا يستحب وبه قطع كثيرون وهو المنصوص في الأم والله أعلم‏.‏

أما الفريضة الفائتة فيقيم لها بلا خلاف وفي الأذان ثلاثة أقوال الجديد الأظهر لا يؤذن والقديم يؤذن والثالث نصه في الإملاء إن رجا اجتماع جماعة يصلون معه أذن وإلا فلا قال الأئمة الأذان في الجديد حق الوقت وفي القديم حق الفريضة وفي الإملاء حق الجماعة قلت الأظهر أنه يؤذن للفائتة وقد ثبت ذلك في الصحيح عن فعل رسول الله صلى الله عليه وسلم وصححه كثير من أصحابنا والله أعلم‏.‏

وإذا أقيمت الفائتة جماعة سقط القول الثالث ولو قضى فوائت فعلى التوالي أقام لكل واحدة قطعا بلا خلاف ولا يؤذن لغير الأولى قطعا وفي الأولى هذه الأقوال ولو والى بين فريضة الوقت ومقضية فإن قدم فريضة الوقت أذن لها وأقام للمقضية وإن قدم المقضية أقام لها وفي الأذان لها الأقوال وأما فريضة الوقت فقال إمام الحرمين إن قلنا يؤذن للمقضية لم يؤذن لفريضة الوقت وإلا أذن والأصح أنه لا يؤذن لفريضة الوقت بعد المقضية بكل حال‏.‏

قلت إلا أن يؤخرها عن المقضية بحيث يطول الفصل بينهما فإنه يؤذن للحاضرة قطعا بكل حال كذا قاله أصحابنا والله أعلم‏.‏

أما إذا جمع بين صلاتي الجمع بسفر أو مطر فإن قدم الثانية إلى وقت الأولى أذن للأولى وأقام للثانية وإن أخر الأولى إلى وقت الثانية أقام لكل واحدة ولا يؤذن للثانية وفي الأذان للأولى الأقوال في الفائتة والأظهر لا يؤذن قال إمام الحرمين وينقدح أن يقال يؤذن لها وإن لم يؤذن للفائتة قلت بل الأظهر أنه يؤذن ففي صحيح مسلم عن جابر رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم جمع بين المغرب والعشاء بالمزدلفة في وقت الثانية بأذان وإقامتين وهو مقدم عند العلماء على رواية أسامة وابن عمر أنه صلاهما بإقامتين لأنه زيادة ثقة حفظ ما لم يحفظ غيره والله أعلم‏.‏

وخرج أبو الحسين بن القطان من أصحابنا وجها أنه يؤذن لكل واحدة من صلاتي الجمع قدم أو قلت قال إمام الحرمين لا سبيل إلى توالي أذانين إلا في صورة على قول وهي إذا صلى فائتة قبيل الزوال وأذن لها على قول فلما فرغ منها زالت الشمس فأراد إقامة الظهر أذن لا محالة هذا كلام الإمام ويتصور التوالي قطعا فيما لو أخروا المؤداة إلى آخر الوقت فأذنوا لها وصلوها ثم دخلت فريضة أخرى والله أعلم‏.‏

 فصل في صفة الأذان

فيه مسائل الأولى الأذان مثنى والإقامة فرادا والمراد معظم الأذان مثنى وإلا فقول لا إله إلا الله في آخره مرة والتكبير في أوله أربع مرات فكذا المراد معظم الإقامة فإن التكبير في أولها وآخرها ولفظ الإقامة بالتثنية على المذهب والمنصوص في الجديد وقال في القديم يقول هذه الكلمات مرة وقيل إنما أفرد في القديم الإقامة دون التكبير و للشافعي قول أنه إن رجع في الأذان ثنى جميع كلمات الإقامة وإلا أفردها واختاره محمد بن إسحق بن خزيمة من أصحابنا الثانية يستحب ترتيل الأذان وإدراج الاقامة فالترتيل تبيين كلماته بلا بطء يجاوز الحد والإدراج أن يحدرها بلا فصل الثالثة يرجع في أذانه وهو أن يأتي بالشهادتين مرتين مرتين بصوت مخفوض ثم يرفعه ويأتي بهما مرتين مرتين والترجيع سنة لو تركه لم يفسد أذانه على الصحيح وقيل المشهور الرابعة التثويب أن يقول في أذان الصبح بعد الحيعلتين الصلاة خير من النوم مرتين وهو سنة على المذهب الذي قطع به الأكثرون وقيل قولان القديم الذي يفتى به أنه سنة والجديد ليس سنة ثم ظاهر إطلاق الغزالي وغيره أن التثويب يشمل الأذان الذي قبل الفجر والذي بعده وصرح في التهذيب بأنه إذا ثوب في الأذان الأول لا يثوب في الثاني على الأصح ثم إن التثويب ليس بشرط هكذا صرح به الأصحاب وقال إمام الحرمين في اشتراطه احتمال وهو بالخلاف أولى من الترجيع الخامسة ينبغي أن يؤذن ويقيم قائما مستقبل القبلة فلو ترك القيام والاستقبال مع القدرة صح أذانه وإقامته على الأصح لكن يكره إلا إذا كان مسافرا فلا بأس بأذانه راكبا وعلى الثاني لا يعتد بهما‏.‏

قلت أذان المضطجع كالقاعد إلا أنه أشد كراهة وفي وجه شاذ لا يصح وإن صح أذان القاعد والله أعلم‏.‏

السادسة يستحب الالتفات في الحيعلتين يمينا وشمالا فيلوي رأسه وعنقه ولا يحول صدره عن القبلة ولا يزيل قدمه عن مكانها وفي كيفية الالتواء ثلاثة أوجه أصحها يلتفت عن يمينه فيقول حي على الصلاة حي على الصلاة ثم يلتفت عن يساره فيقول حي على الفلاح حي على الفلاح والثاني يلتفت عن يمينه فيقول حي على الصلاة ثم يعود إلى القبلة ثم يلتفت عن يمينه فيقول حي على الصلاة ثم يلتفت عن يساره فيقول حي على الفلاح ثم يستقبل القبلة ثم يلتفت عن يساره فيقول حي على الفلاح والثالث قول القفال يقسم كل حيعلة على الجهتين فيقول حي على الصلاة مرة عن يمينه ثم مرة عن يساره ثم حي على الفلاح مرة عن يمينه ثم مرة عن يساره ويستحب الالتفات في الإقامة على الأصح ولا يستحب على الثاني إلا أن يكبر المسجد ويحتاج إليه‏.‏

قلت وإذا شرع في الاقامة في موضع تممها فيه ولا يمشي في أثنائها قاله أصحابنا والله أعلم‏.‏

السابعة ينبغي أن يبالغ في رفع الصوت ما لم يجهده وأما الإجزاء فإن كان يؤذن لنفسه أجزأه أن يسمع نفسه على قول الجمهور وقال إمام الحرمين الاقتصار على إسماع النفس يمنع كون المأتي به أذانا وإقامة فليزد عليه قدر ما يسمع من عنده والخلاف المتقدم في المنفرد أنه هل يرفع صوته هو على قول الجمهور في أنه هل يستحب الرفع وعلى قول إمام الحرمين هل يعتد به بلا رفع أما إذا أذن لجماعة فثلاثة أوجه أصحها لا يجزىء الإسرار بشيء منه لفوات الإعلام والثاني لا بأس بالاسرار كالاسرار بقراءة صلاة جهرية والثالث لا بأس بالإسرار بالكلمة والكلمتين ولا يجزىء الإسرار بالجميع وأما الإقامة فلا يكفي فيها إسماع النفس على الأصح أيضاً لكن الرفع فيها أخفض من الأذان الثامنة ترتيب كلمات الأذان شرط فلو عكس لم يصح أذانه لكن يبنى على المنتظم منه ولو ترك بعض الكلمات في خلاله أتى بالمتروك وإن طال ففي بطلان أذانه قولان ولو تكلم بينها كلاما يسيرا لم يضر على المذهب وتردد الشيخ أبو محمد في تنزيل الكلام اليسير إذا رفع به الصوت منزلة السكوت الطويل وإن تكلم طويلا فقولان مرتبان على السكوت الطويل وأولى بالبطلان ولو خرج في أثناء الأذان عن أهليته بإغماء أو نوم فإن زال عن قرب لم يضر وإن طال فعلى القولين واعلم أن العراقيين جوزوا البناء في جميع هذه الصور مع طول الفصل وحكوه عن نص الشافعي رضي الله عنه لكن الأشبه وجوب الإستئناف عند الفصل الطويل وحمل النص على الفصل اليسير ومع الطول على أحد القولين يستحب الإستئناف وكذا يستحب في السكوت والكلام الكثيرين إذا لم نوجبه ولا يستحب إذا كانا يسيرين ويستحب أن لا يتكلم في أذانه بشيء أصلا فلو عطس حمد الله تعالى في نفسه ويبني ولو سلم عليه إنسان أو عطس لم يجبه ولم يشمته حتى يفرغ فإن أجابه أو شمته أو تكلم بمصلحة لم يكره وكان تاركا للمستحب ولو رأى أعمى يخاف وقوعه في بئر وجب إنذاره‏.‏

فرع إذا لم نحكم ببطلان الأذان بالفصل المتخلل فله أن يبني عليه بنفسه ولا يجوز لغيره على المذهب فرع لو ارتد بعد فراغه من الأذان ثم أسلم وأقام جاز لكن المستحب أن لا يصلي بأذانه وإقامته بل يعيدهما غيره لأن ردته تورث شبهة في حاله ولو ارتد في خلال الأذان لم يصح بناؤه عليه في الردة فإن أسلم وبنى عليه فالمذهب أنه إن لم يطل الفصل جاز البناء وإلا فقولان وقيل قولان مطلقا وقيل وجهان وإذا جوزنا له البناء ففي بناء غيره الخلاف المتقدم في الفرع‏:‏ الذي قبله وكذا لو مات في خلال الأذان‏.‏

 فصل في صفة المؤذن وآدابه

وشرطه أن يكون مسلما عاقلا ذكرا وإذا نطق بالشهادتين في الأذان إن كان عيسويا لم يحكم بإسلامه وإن كان غيره حكم بإسلامه على الصحيح الذي قطع به الأكثرون ولا يصح أذان السكران على الصحيح ويصح أذان من هو في أول النشوة ولا يصح أذان المرأة والخنثى المشكل للرجال على الصحيح الذي قطع به الجمهور وأما أذانها لنفسها أو جماعة نساء فتقدم حكمه ويصح أذان الصبي المميز على الصحيح المعروف في المذهب‏.‏

قلت قال صاحب الشامل والعدة وغيرهما يكره أذان الصبي ما لم يبلغ كما يكره أذان الفاسق وأما آدابه فيستحب أن يكون متطهرا فإن أذن أو أقام محدثا أو جنبا كره وصح أذانه والكراهة في الجنب أشد وفي الاقامة أشد ويستحب أن يكون صيتا حسن الصوت وأن يؤذن على موضع عال من منارة أو سطح ونحوهما وأن يجعل أصبعيه في صماخي أذنيه وأن يكون عدلا وهو الثقة وأن يكون من أولاد من جعل رسول الله صلى الله عليه وسلم أو بعض أصحابه الأذان فيهم إذا وجد وكان عدلا صالحا له وأن يصلي المؤذن ومن سمع الأذان صلى على رسول الله صلى الله عليه وسلم بعد الأذان ثم يقول اللهم رب هذه الدعوة التامة والصلاة القائمة آت محمدا الوسيلة والفضيلة والدرجة الرفيعة وابعثه مقاما محمودا الذي وعدته وأن يجيب كل من سمع الأذان وإن كان جنبا أو حائضا فيقول مثل قول المؤذن في جميع الأذان والاقامة إلا في الحيعلتين فإنه يقول لا حول ولا قوة إلا بالله وإلا في كلمتي الاقامة فيقول أقامها الله وأدامها وجعلني من صالحي أهلها وإلا في التثويب فيقول صدقت وبررت وفي وجه يقول صدق رسول الله صلى الله عليه وسلم الصلاة خير من النوم فإن كان في قراءة أو ذكر استحب قطعهما ليجيب ولو كان في صلاة لم يجب حتى يفرغ فإن أجاب كره على الأظهر لكن لا تبطل صلاته إن أجاب بما استحببناه لأنها أذكار فلو قال حي على الصلاة أو الصلاة خير من النوم بطلت صلاته لأنه كلام‏.‏

ولو أجاب في خلال الفاتحة وجب استئنافها لأن الاجابة في الصلاة غير محبوبة‏.‏

قلت ويستحب للمجيب أن يجيب في كل كلمة عقبها والله أعلم‏.‏

ويستجب أن يقول من سمع أذان المغرب اللهم هذا إقبال ليلك وإدبار نهارك وأصوات دعاتك فاغفر لي ويستحب الدعاء بين الأذان والاقامة وأن يتحول المؤذن إلى موضع آخر للاقامة الأذان والإمامة كلاهما فيه فضل وأيهما أفضل فيه أوجه أصحها وهو المنصوص الامامة أفضل والثاني الأذان والثالث هما سواء والرابع إن علم من نفسه القيام بحقوق الامامة وجمع خصالها فهي أفضل وإلا فالأذان قاله أبو علي الطبري والقاضي ابن كج والقاضي حسين والمسعودي‏.‏

قلت كذا رجح الرافعي أيضاً في كتابه المحرر الإمامة والأصح ترجيح الأذان وهو قول أكثر أصحابنا وقد نص الشافعي رحمه الله في الأم على كراهة الامامة فقال أحب الأذان لقول رسول الله صلى الله عليه وسلم اللهم اغفر للمؤذنين وأكره الامامة للضمان وما على الإمام فيها هذا نصه والله أعلم‏.‏

وأما الجمع بين الأذان والامامة فليس بمستحب وأغرب ابن كج فقال الأفضل لمن صلح لهما الجمع بينهما ولعله أراد الأذان لقوم والامامة لآخرين‏.‏

قلت صرح بكراهة الجمع بينهما الشيخ أبو محمد والبغوي وصرح باستحباب جمعهما أبو علي الطبري والماوردي والقاضي أبو الطيب وادعى الاجماع عليه فحصل ثلاثة أوجه الأصح استحبابه وفيه حديث حسن في الترمذي والله أعلم‏.‏

فرع يستحب للمؤذن التطوع بالأذان فإن لم يتطوع رزقة الإمام من المصالح وهو خمس خمس الفيء والغنيمة وكذا أربعة أخماس الفيء إذا قلنا إنها للمصالح وإنما يرزقه عند الحاجة وعلى قدرها ولو وجد فاسقا يتطوع وأمينا لا يتطوع فله أن يرزق الأمين على الصحيح ولو وجد أمينا يتطوع وأمينا أحسن منه صوتا لا يتطوع فهل يجز أن يرزقه وجهان قال ابن سريج نعم والقفال لا‏.‏

قلت قول ابن سريج أصح إن رآه الإمام مصلحة لظهور تفاوتهما والله أعلم‏.‏

وإذا كان في البلد مساجد فإن لم يمكن جمع الناس في مسجد واحد رزق عددا من المؤذنين يحصل بهم الكفاية ويتأدى الشعار وإن أمكن فوجهان أحدهما يجمع ويرزق واحدا والثاني يرزق الجميع لئلا تتعطل المساجد‏.‏

قلت هذا الثاني أصح والله أعلم فلو لم يكن في بيت المال سعة بدأ بالأهم وهو رزق مؤذن الجامع وأذان صلاة الجمعة أهم من غيره وللإمام أن يرزق من مال نفسه ويجوز للواحد من الرعية وحينئذ لا حجر فيرزق كم شاء ومتى شاء وأما الاستئجار على الأذان ففيه أوجه أصحها يجوز للإمام من بيت المال ومن مال نفسه ولآحاد الناس من أهل المحلة وغيرهم من مال نفسه والثاني لا يصح الاستئجار مطلقا والثالث يجوز للامام ومن أذن له ولا يجوز لآحاد الناس وإذا جوزنا للامام الاستئجار من بيت المال فإنما يجوز حيث يجوز الرزق خلافا ووفاقا قال في التهذيب وإذا استأجر من بيت المال لم يفتقر إلى بيان المدة بل يكفي أن يقول استأجرتك لتؤذن في هذا المسجد في أوقات الصلاة كل شهر بكذا ولو استأجر من مال نفسه أو استأجر واحد من الرعية ففي اشتراط بيان المدة وجهان‏.‏

قلت أصحهما الاشتراط والله أعلم‏.‏

والإقامة تدخل في الاستئجار للأذان ولا يجوز الاستئجار للاقامة إذ لا كلفة فيها بخلاف الأذان وليست هذه الصور بصافية عن الإشكال‏.‏

فرع يستحب أن يكون للمسجد مؤذنان من فوائدهما أن يؤذن أحدهما للصبح قبل الفجر والآخر قلت هذا الذي ذكره من استحباب عدم الزيادة على أربعة قاله أبو علي الطبري وأنكره كثيرون من أصحابنا وقالوا إنما الضبط بالحاجة ورؤية المصلحة فإن رأى الإمام المصلحة في الزيادة على أربعة فعله وإن رأى الاقتصار على اثنين لم يزد وهذا هو الأصح المنصوص والله أعلم‏.‏

ترتب للأذان اثنان فصاعدا فالمستحب أن لا يتراسلوا بل إن اتسع الوقت تجبوا فيه فإن تنازعوا الابتداء أقرع بينهم وإن ضاق الوقت فإن كان المسجد كبيرا أذنوا متفرقين في أقطاره وإن كان صغيرا وقفوا معا وأذنوا وهذا إذا لم يؤد اختلاف الأصوات إلى تهويش فإن أدى لم يؤذن إلا واحد فإن تنازعوا أقرع وأما الاقامة فإن أذنوا على الترتيب فالأول أولى بها إن كان هو المؤذن الراتب أو لم يكن هناك مؤذن راتب إن كان الأول غير الراتب فالأصح أن الراتب أولى والثاني الأول أولى ولو أقام في هذه الصورة غير من له ولاية الاقامة اعتد به على الصحيح المعروف وعلى الشاذ لا يعتد بالاقامة من غير السابق بالأذان تخريجا من قول الشافعي رحمه الله لا يجوز أن يخطب واحد ويصلي آخر أما إذا أذنوا معا فإن اتفقوا على إقامة واحد وإلا أقرع ولا يقيم في المسجد الواحد إلا واحد إلا إذا لم تحصل الكفاية بواحد وقيل لا بأس أن يقيموا معا إذا لم يؤد إلى التهويش‏.‏

وقت الأذان منوط بنظر المؤذن لا يحتاج فيه إلى مراجعة الإمام ووقت الإقامة منوط بالإمام وإنما يقيم المؤذن بإشارته‏.‏

فرع ذكره الإمام الرافعي في أوقات الصلاة وأشار إلى أنه هنا أنسب قال صلاة الصبح تختص بالأذان بأمور منها أنه يجوز تقديم أذانها على دخول الوقت وذكر في البيان وجها أنه إن جرت عادة أهل بلد بالأذان بعد طلوع الفجر لم يقدم أذانها لئلا يلتبس وهذا غريب ثم في وقت جواز التقديم أوجه أصحها يقدم في الشتاء لسبع بقي من الليل وفي الصيف لنصف سبع وهذا الضبط تقريب لا تحديد والثاني يدخل بذهاب وقت الاختيار للعشاء وهو ثلث الليل أو نصفه والثالث وقته النصف الأخير من الليل ولا يجوز قبله والرابع جميع الليل وقت له ولم يفرق صاحب التهذيب بين الشتاء والصيف واعتبر السبع مطلقاً تقريباً‏.‏

قلت الأصح الوجه الثالث واعتمد من رجح الأول حديثا باطلا محرفا والله أعلم‏.‏

أما الإقامة للصبح فلا يجوز قبل الفجر بلا خلاف ويسن أن يؤذن للصبح مرتين فيؤذن أحد المؤذنين قبل الفجر والآخر بعده ويجوز أن يقتصر على مرة قبل الصبح أو بعده أو بعض الكلمات قبل الصبح وبعضها بعده وإذا اقتصر على مرة فالأولى أن يكون بعد الصبح على المعهود في سائر الصلوات‏.‏

قلت بقيت فروع تتعلق بالأذان يكره التثويب في غير الصبح قال في التهذيب لو زاد في الأذان ذكرا أو زاد في عدده لم يفسد أذانه قال غيره يستحب أن يجمع المؤذن كل تكبيرتين بنفس واحد وأما باقي الألفاظ فيفرد كل كلمة بصوت لطول لفظها بخلاف التكبير قال صاحب العدة وإذا كانت ليلة مطيرة أو ذات ريح وظلمة يستحب أن يقول إذا فرغ من أذانه ألا صلوا في رحالكم فإن قاله في أثناء الأذان بعد الحيعلة فلا بأس وكذا قاله الصيدلاني والبندنيجي والشاشي وغيرهم واستبعد إمام الحرمين قوله في أثناء الأذان وليس هو ببعيد بل هو الحق والسنة فقد نص عليه الشافعي رضي الله عنه في آخر أبواب الأذان في الأم وقد ثبت في الصحيحين عن ابن عباس رضي الله عنهما أنه قال لمؤذنه في يوم مطير إذا قلت أشهد أن محمداً رسول الله فلا تقل حي على الصلاة وقل صلوا في بيوتكم وكأن الناس استنكروا ذلك فقال أتعجبون من ذا فقد فعل ذا من هوخير مني يعني النبي صلى الله عليه وسلم ويكره أن يكون الأعمى مؤذنا وحده فإن كان معه بصير لم يكره ويسن أن يكون الأذان بقرب المسجد ويكره قوله حي على خير العمل ولو لقن الأذان صح ولو أذن بالعجمية وهناك من يحسن بالعربية لم يصح وإلا فيصح ولو قال الله الأكبر صح وتركه في السفر أخف من الحضر وترك المرأة الاقامة أخف من ترك الرجل والله أعلم‏.‏